يسعدني أن أشارككم صدور كتابي الجديد: “تأملات إنسانية وفلسفية في عصر الذكاء الاصطناعي – حين يُصبح الإنسان هو السؤال”
حين تبدأ الآلة في قراءة نوايانا قبل أن نُفصح عنها، ويغدو الصمت الرقمي أكثر حضورًا من أصواتنا، يطلّ هذا الكتاب كصوتٍ إنساني هادئ… يُذكّرنا بأن الأسئلة التي نخاف طرحها، هي غالبًا الأكثر صدقًا، والأكثر إلحاحًا.
هل لا يزال الإنسان مركز الوعي في عالمٍ تتعلّم فيه الآلة كيف “تفكّر”؟ وهل يشكّل الذكاء الاصطناعي مستقبلنا، أم أنه يُعيد إنتاج ماضينا بلغةٍ برمجية جديدة؟
في هذا العمل، يتقاطع الشخصي بالفلسفي، والتقني بالوجودي. لا يُقدَّم الذكاء الاصطناعي بوصفه إنجازًا تقنيًا فحسب، بل كمرآة تعكس تحوّلاتنا العميقة: من ذواتٍ تقود اختياراتها، إلى كيانات موجَّهة، ومن صانعي قرار إلى أنماط متوقَّعة.
ينطلق الكاتب ياسر الشنتف، بخبرة المختص في التحوّل الرقمي وحدس المتأمل، ليفتح نوافذ على زوايا طال إهمالها في المشهد الرقمي، متناولًا أسئلة الهوية والخصوصية، إلى جانب الضمير والحرية والعدالة، باعتبارها قيمًا جوهرية تُعاد صياغتها بصمت داخل أنساق رقمية لا تُفصح دائمًا عن منطقها. هذا الكتاب محاولة — لا للإدانة، ولا للتبشير — بل للسؤال. فهو ليس كتابًا عن الخوارزميات، بل عن الإنسان الذي يقف أمامها، يسألها، ويعيد من خلالها مساءلة نفسه. في صفحاته، لا تُوضع التكنولوجيا في قفص الاتهام، بل يُفكَّك أثرها فينا. لا يُطرَح الذكاء الاصطناعي كخطر محدق، بل ككائن رمزي يستفز وعينا، ويدعونا إلى التأمل: من نحن؟ ماذا نريد حقًا؟ وأيّ “ذات” نُعاد تشكيلها دون أن ننتبه؟
وفي السياق العربي، تبدو المفارقة أكثر جلاءً: نندفع بحماسة إلى العصر الرقمي بأدوات لا تُشبهنا، وبأسئلة لم نطرحها بعد بلغتنا. حيث يتسارع التبني في غياب نقاش فلسفي وأخلاقي وثقافي يوازي هذا الاندفاع. فنستهلك التقنية قبل أن نتأملها، ونتبناها قبل أن نفهم آثارها.
هذا الكتاب للذين يؤمنون بأن السؤال أعمق من الجواب. للذين يرون أن الإنسان ليس معطًى ثابتًا، بل مشروع مفتوح. للذين يرفضون اختزال الوعي في معادلة، أو اختصار الضمير في شيفرة. “حين يصبح الإنسان هو السؤال” ليست دعوةً إلى الرفض، بل تمرينًا على الفهم. ليست صرخةً ضد التقنية، بل محاولة لاستعادة الذات… قبل أن تفقد صوتها.